فصل: (سورة الناس: الآيات 1- 6)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.القراءات والوقوف:

قال نظام الدين النيسابوري:

.القراءات:

{الناس} وما بعدها ممالة: قتيبة ونصير. والباقون: بالتفخيم.

.الوقوف:

{الناس} o لا {الناس} o لا {الناس} o لا {الخناس} o لا بناء على أن الفصل بين الصفة وموصوفها لا يصلح إلا للضرورة. ولو قيل إن محله النصب أو الرفع على الذم حسن الوقف {الناس} o لا {والناس} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ الناس مَلِكِ الناس إله الناس} فيه مسائل:
المسألة الأولى:
قرئ: {قُلْ أَعُوذُ} بحذف الهمزة ونقل حركتها إلى اللام ونظيره: {فَخُذْ أَرْبَعَةً مّنَ الطير} [البقرة: 260] وأيضًا أجمع القراء على ترك الإمالة في الناس، وروي عن الكسائي الإمالة في الناس إذا كان في موضع الخفض.
المسألة الثانية:
أنه تعالى رب جميع المحدثات، ولكنه هاهنا ذكر أنه رب الناس على التخصيص وذلك لوجوه:
أحدها: أن الاستعاذة وقعت من شر الموسوس في صدور الناس فكأنه قيل: أعوذ من شر الموسوس إلى الناس بربهم الذي يملك عليهم أمورهم وهو إلهم ومعبودهم كما يستغيث بعض الموالي إذا اعتراهم خطب بسيدهم ومخدومهم ووالي أمرهم.
وثانيها: أن أشرف المخلوقات في العالم هم الناس.
وثالثها: أن المأمور بالاستعاذة هو الإنسان، فإذا قرأ الإنسان هذه صار كأنه يقول: يا رب يا ملكي يا إلهي.
المسألة الثالثة:
قوله تعالى: {مَلِكِ الناس إله الناس} هما عطف بيان كقوله: سيرة أبي حفص عمر الفاروق، فوصف أولًا بأنه رب الناس ثم الرب قد يكون ملكًا وقد لا يكون، كما يقال: رب الدار ورب المتاع قال تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أَرْبَابًا مّن دُونِ الله} [التوبة: 31] فلا جرم بينه بقوله: {مَلِكِ الناس} ثم الملك قد يكون إلهًا وقد لا يكون فلا جرم بينه بقوله: {إله الناس} لأن الإله خاص به وهو سبحانه لا يشركه فيه غيره وأيضًا بدأ بذكر الرب وهو اسم لمن قام بتدبيره وإصلاحه، وهو من أوائل نعمه إلى أن رباه وأعطاه العقل فحينئذ عرف بالدليل أنه عبد مملوك وهو ملكه، فثنى بذكر الملك، ثم لما علم أن العبادة لازمة له واجبة عليه، وعرف أن معبوده مستحق لتلك العبادة عرف أنه إله، فلهذا ختم به، وأيضًا أول ما يعرف العبد من ربه كونه مطيعًا لما عنده من النعم الظاهرة والباطنة، وهذا هو الرب، ثم لا يزال يتنقل من معرفة هذه الصفات إلى معرفة جلالته واستغنائه عن الخلق، فحينئذ يحصل العلم بكونه ملكًا، لأن الملك هو الذي يفتقر إليه غيره ويكون هو غنيًا عن غيره، ثم إذا عرفه العبد كذلك عرف أنه في الجلالة والكبرياء فوق وصف الواصفين وأنه هو الذي ولهت العقول في عزته وعظمته، فحينئذ يعرفه إلهًا.
المسألة الرابعة:
السبب في تكرير لفظ الناس أنه إنما تكررت هذه الصفات، لأن عطف البيان يحتاج إلى مزيد الإظهار، ولأن هذا التكرير يقتضي مزيد شرف الناس، لأنه سبحانه كأنه عرف ذاته بكونه ربًا للناس، ملكًا للناس، إلهًا للناس.
ولولا أن الناس أشر مخلوقاته وإلا لما ختم كتابه بتعريف ذاته بكونه ربًا وملكًا وإلهًا لهم.
المسألة الخامسة:
لا يجوز هاهنا مالك الناس ويجوز: {مالك يَوْمِ الدين} في سورة الفاتحة، والفرق أن قوله: {رَبّ الناس} أفاد كونه مالكًا لهم فلابد وأن يكون المذكور عقيبه هذا الملك ليفيد أنه مالك ومع كونه مالكًا فهو ملك.
فإن قيل: أليس قال في سورة الفاتحة: {رَبّ العالمين} ثم قال: {مالك يَوْمِ الدين} فليزم وقوع التكرار هناك؟
قلنا اللفظ دل على أنه رب العالمين، وهي الأشياء الموجودة في الحال، وعلى أنه مالك ليوم الدين أي قادر عليه فهناك الرب مضاف إلى شيء والمالك إلى شيء آخر فلم يلزم التكرير، وأما هاهنا لو ذكر المالك لكان الرب والمالك مضافين إلى شيء واحد، فيلزم منه التكرير فظهر الفرق، وأيضًا فجواز القراءات: يتبع النزول لا القياس، وقد قرئ {مالك} لكن في الشواذ.
{مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4)}
قوله تعالى: {مِن شَرّ الوسواس الخناس} الوسواس اسم بمعنى الوسوسة، كالزلزال بمعنى الزلزلة، وأما المصدر فوسواس بالكسر كزلزال والمراد به الشيطان سمي بالمصدر، كأنه وسوسة في نفسه لأنها صنعته وشغله الذي هو عاكف عليه، نظيره قوله: {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالح} [هود: 46] والمراد ذو الوسواس وتحقيق الكلام في الوسوسة قد تقدم في قوله: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشيطان} [الأعراف: 20] وأما الخناس فهو الذي عادته أن يخنس منسوب إلى الخنوس وهو التأخر كالعواج والنفاثات، عن سعيد بن جبير إذا ذكر الإنسان ربه خنس الشيطان وولى، فإذا غفل وسوس إليه.
{الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5)}
قوله تعالى: {الذى يُوَسْوِسُ في صُدُورِ الناس}.
اعلم أن قوله: {الذى يُوَسْوِسُ} يجوز في محله الحركات الثلاث فالجر على الصفة والرفع والنصب على الشتم، ويحسن أن يقف القارئ على الخناس ويبتدئ الذي يوسوس، على أحد هذين الوجهين.
{مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)}
أما قوله تعالى: {مِنَ الجنة والناس} ففيه وجوه:
أحدها: كأنه يقول الوسواس الخناس قد يكون من الجنة وقد يكون من الناس كما قال: {شياطين الإنس والجن} [الأنعام: 112] وكما أن شيطان الجن قد يوسوس تارة ويخنس أخرى فشيطان الإنس يكون كذلك، وذلك لأنه يرى نفسه كالناصح المشفق، فإن زجره السامع يخنس، ويترك الوسوسة، وإن قبل السامع كلامه بالغ فيه.
وثانيها: قال قوم قوله: {مِنَ الجنة والناس} قسمان مندرجان تحت قوله في: {صُدُورِ الناس} كأن القدر المشترك بين الجن والإنس، يسمى إنسانًا والإنسان أيضًا يسمى إنسانًا فيكون لفظ الإنسان واقعًا على الجنس والنوع بالاشتراك، والدليل على أن لفظ الإنسان يندرج فيه الجن والإنس ما روى أنه جاء نفر من الجن فقيل لهم: من أنتم فقالوا: أناس من الجن، أيضًا قد سماهم الله رجالًا في قوله: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مّنَ الإنس يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مّنَ الجن} [الجن: 6] فجاز أيضًا أن يسميهم هاهنا ناسًا، فمعنى الآية على هذا التقدير أن هذا الوسواس الخناس شديد الخنث لا يقتصر على إضلال الإنس بل يضل جنسه وهم الجن، فجدير أن يحذر العاقل شره، وهذا القول ضعيف، لأن جعل الإنسان اسمًا للجنس الذي يندرج فيه الجن والإنس بعيد من اللغة لأن الجن سموا جنًا لاجتنانهم والإنسان إنسانًا لظهوره من الإيناس وهو الإبصار، وقال صاحب الكشاف: من أراد تقرير هذا الوجه، فالأولى أن يقول: المراد من قوله: {يُوَسْوِسُ في صُدُورِ الناس} أي في صدور الناسي كقوله: {يَوْمَ يَدْعُو الداع} [القمر: 6] وإذا كان المراد من الناس الناسي، فحينئذ يمكن تقسيمه إلى الجن والإنس لأنهما هما النوعان الموصوفان بنسيان حق الله تعالى.
وثالثها: أن يكون المراد أعوذ برب الناس من الوسواس الخناس ومن الجنة والناس كأنه استعاذ بربه من ذلك الشيطان الواحد، ثم استعاذ بربه من الجميع الجنة والناس.
واعلم أن لهذه السورة لطيفة أخرى: وهي أن المستعاذ به في السورة الأولى مذكور بصفة واحدة وهي أنه رب الفلق، والمستعاذ منه ثلاثة أنواع من الآفات، وهي الغاسق والنفاثات والحاسد، وأما في هذه السورة فالمستعاذ به مذكور بصفات ثلاثة: وهي الرب والملك والإله والمستعاذ منه آفة واحدة، وهي الوسوسة، والفرق بين الموضعين أن الثناء يجب أن يتقدر بقدر المطلوب، فالمطلوب في السورة الأولى سلامة النفس والبدن، والمطلوب في السورة الثانية سلامة الدين، وهذا تنبيه على أن مضرة الدين وإن قلت: أعظم من مضار الدنيا وإن عظمت، والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ.

.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ الناس}
يقول أستعيذ بالله وخالق الناس ويقال: أستعيذ بالله الذي هو رازق الخلق، ثم قال عز وجل: {مَلِكِ الناس} يعني: خالق الناس ومالكهم وله نفاذ الأمر والملك فيهم، ثم قال عز وجل: {إله الناس} يعني: خالق الناس ومعطيهم ومانعهم {مِن شَرّ الوسواس} يعني من شر الوسواس يعني من شر الشيطان، لأني لا أستطيع أن أحفظ نفسي من شره لأنه يجري في نفس الإنسان مجرى الدم ولا يراه بشر والله تعالى قادر على حفظي من شره ومن وسوسته.
ثم وصف الشيطان فقال: {الخناس} قال مجاهد: هو منبسط على قلب الإنسان إذا ذكر الله خنس وانقبض فإذا عقل انبسط على قلبه ويقال له: خنوس كخنوس القنفذ {الذى يُوَسْوِسُ في صُدُورِ الناس مِنَ الجنة والناس} يعني: يدخل في صدور الجن كما يدخل في صدور الإنس ويوسوس لهم ويقال: {الناس} في هذا الموضع يصلح للجن والإنس فإذا أراد به الجن فمعناه: يوسوس في صدور المؤمنين الذين هم جن {يُوَسْوِسُ في صُدُورِ الناس} يعني: الذين هم من بني آدم ويقال: {الناس} معطوف على الوسواس ومعناه: {مِن شَرّ الوسواس} {وَمِن شَرّ الوسواس الخناس} كما قال في آية أخرى {شياطين الإنس والجن} وقال مقاتل روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه قال له جبريل عليه السلام ألا أخبرك يا محمد صلى الله عليه وسلم بأفضل ما يتعوذ به؟ قلت: وَمَا هُوَ؟ قال المعوذتان».
وروى علقمة عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَا تَعَوَّذَ المُعَوِّذُونَ بِمِثْلِ المَعُوذَتَيْنِ».
وروي عن الحسن البصري في قوله تعالى: {مِنَ الجنة والناس} قال إن من الناس شياطين فتعوذوا بالله من الشياطين يعني: شياطين الجن والإنس، وقال هما شيطانان فأما شيطان الجن فيوسوس في صدور الناس، وأما شيطان الإنس فإنه علانية وروى أبو معاوية عن عثمان بن واقد قال أرسلني أبي إلى محمد بن المنكدر أسأله عن المعوذتين أهما من كتاب الله تعالى؟ قال: من لم يزعم أنهما من كتاب الله تعالى فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
والله أعلم وصلَّى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين، وأمام المتقين ورسول رب العالمين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين والملائكة والمقربين وأهل طاعتك أجمعين.
ورضي الله عن أصحاب رسول الله أجمعين وعن التابعين وتابعي التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، حسبنا الله ونعم الوكيل. اهـ.

.قال الثعلبي:

سورة الناس:
{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الناس مَلِكِ الناس إله الناس مِن شَرِّ الوسواس}
يعني الشيطان، ويكون مصدرًا واسمًا. اهـ.

.قال الزمخشري:

سورة الناس:
مكية.
وقيل مدنية.
وآياتها 6.
نزلت بعد الفلق.
بسم الله الرحمن الرحيم

.[سورة الناس: الآيات 1- 6]

{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)}
قرئ: {قل أعوذ} بحذف الهمزة ونقل حركتها إلى اللام، ونحوه. فخذ أربعة.
فإن قلت: لم قيل {بِرَبِّ النَّاسِ} مضافا إليهم خاصة؟
قلت: لأنّ الاستعاذة وقعت من شر الموسوس في صدور الناس. فكأنه قيل، أعوذ من شر الموسوس إلى الناس بربهم الذي يملك عليهم أمورهم، وهو إلههم ومعبودهم، كما يستغيث بعض الموالي إذا اعتراهم خطب بسيدهم ومخدومهم ووالى أمرهم.
فإن قلت: {مَلِكِ النَّاسِ إِلهِ النَّاسِ} ما هما من رب الناس؟
قلت: هما عطف بيان، كقولك: سيرة أبى حفص عمر الفاروق. بين بملك الناس، ثم زيد بيانا بإله الناس، لأنه قد يقال لغيره: رب الناس، كقوله: {اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْبابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} وقد يقال: ملك الناس. وأمّا {إِلهِ النَّاسِ} فخاص لا شركة فيه، فجعل غاية للبيان.
فإن قلت: فهلا اكتفى بإظهار المضاف إليه الذي هو الناس مرّة واحدة؟
قلت: لأنّ عطف البيان للبيان، فكان مظنة للإظهار دون الإضمار {الْوَسْواسِ} اسم بمعنى الوسوسة، كالزلزال بمعنى الزلزلة. وأمّا المصدر فوسواس بالكسر كزلزال. والمراد به الشيطان، سمى بالمصدر كأنه وسوسة في نفسه، لأنها صنعته وشغله الذي هو عاكف عليه. أو أريد ذو الوسواس. والوسوسة: الصوت الخفي. ومنه: وسواس الحلي.
و{الْخَنَّاسِ} الذي عادته أن يخنس، منسوب إلى الخنوس وهو التأخر كالعواج والبتات لما روى عن سعيد بن جبير: إذا ذكر الإنسان ربه خنس الشيطان وولى، فإذا غفل وسوس إليه {الَّذِي يُوَسْوِسُ} يجوز في محله الحركات الثلاث، فالجر على الصفة، والرفع والنصب على الشتم، ويحسن أن يقف القارئ على {الْخَنَّاسِ} ويبتدئ {الَّذِي يُوَسْوِسُ} على أحد هذين الوجهين {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} بيان الذي يوسوس، على أن الشيطان ضربان: جنى وإنسى، كما قال: {شياطين الإنس والجن}.
وعن أبى ذرّ رضي الله عنه قال لرجل: هل تعوّذت باللّه من شيطان الإنس؟ ويجوز أن يكون {مِنَ} متعلقا بـ: {يوسوس}، ومعناه: ابتداء الغاية، أى: يوسوس في صدورهم من جهة الجنّ ومن جهة الناس، وقيل: {من الجنة والناس} بيان للناس، وأن اسم الناس ينطلق على الجنة، واستدلوا بنفر ورجال: في سورة الجن. وما أحقه، لأن الجن سموا (جنا) لاجتنانهم، والناس (ناسا) لظهورهم، من الإيناس وهو الإبصار، كما سموا بشرا، ولو كان يقع الناس على القبيلين، وصح ذلك وثبت: لم يكن مناسبا لفصاحة القرآن وبعده من التصنع. وأجود منه أن يراد بالناس: الناسي، كقوله: {يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ} كما قرئ {مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ} ثم يبين بالجنة والناس، لأنّ الثقلين هما النوعان الموصوفان بنسيان حق اللّه عز وجل.
عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «لقد أنزلت علىّ سورتان ما أنزل مثلهما، وإنك لن تقرأ سورتين أحب ولا أرضى عند اللّه منهما» يعنى المعوذتين. ويقال للمعوذتين: المقشقشتان.
قال عبد اللّه الفقير إليه: وأنا أعوذ بهما وبجميع كلمات اللّه الكاملة التامّة، وألوذ بكنف رحمته الشاملة العامّة، من كل ما يكلم الدين، ويثلم اليقين، أو يعود في العاقبة بالندم، أو يقدح في الإيمان المسوط باللحم والدم، وأسأله بخضوع العنق وخشوع البصر، ووضع الخدّ لجلاله الأعظم الأكبر، مستشفعا إليه بنوره الذي هو الشيبة في الإسلام، متوسلا بالتوبة الممحصة للآثام، وبما عنيت به من مهاجرتى إليه ومجاورتي، ومرابطتى بمكة ومصابرتى، على تواكل من القوى، وتخاذل من الخطا، ثم أسأله بحق صراطه المستقيم، وقرآنه المجيد الكريم، وبما لقيت من كدح اليمين وعرق الجبين، في عمل الكشاف عن حقائقه، المخلص عن مضايقه، المطلع على غوامضه، المثبت في مداحضه. الملخص لنكته ولطائف نظمه، المنقر عن فقره وجواهر علمه، المكتنز بالفوائد المفتنة التي لا توجد إلا فيه، المحيط بما لا يكتنه من بدع ألفاظه ومعانيه، مع الإيجاز الحاذف للفضول، وتجنب المستكره المملول، ولو لم يكن في مضمونه إلا إيراد كل شيء على قانونه، لكفى به ضالة ينشدها محققة الأحبار، وجوهرة يتمنى العثور عليها غاصة البحار، وبما شرفني به ومجدنى، واختصني بكرامته وتوحدني: من ارتفاعه على يدي في مهبط بشاراته ونذره، ومتنزل آياته وسوره، من البلد الأمين بين ظهراني الحرم، وبين يدي البيت المحرم، حتى وقع التأويل، حيث وجد التنزيل: أن يهب لي خاتمة الخير، ويقينى مصارع السوء، ويتجاوز عن فرطأتى يوم التناد، ولا يفضحني بها على رؤس الأشهاد، ويحلني دار المقامة من فضله، بواسع طوله وسابغ نوله، إنه الجواد الكريم، الرؤوف الرحيم.
(في نسخة ما نصه) في أصل المصنف بخطه رحمه اللّه تعالى: وهذه النسخة هي نسخة الأصل الأولى التي نقلت من السواد، وهي أم الكشاف الحرمية المباركة المتمسح بها، المحقوقة أن تستنزل بها بركات السماء ويستمطر بها في السنة الشهباء، فرغت منها يد المصنف تجاه الكعبة في جناح داره السليمانية، التي على باب أجياد الموسومة بمدرسة العلامة: ضحوة يوم الاثنين لثالث والعشرين من ربيع الآخر في عام ثمانية وعشرين وخمسمائة، وهو حامد للّه على باهر كرمه، ومصل على عبده ورسوله، وعلى آله وأصحابه أجمعين. اهـ.